مقال " التربية الإيمانية للطفل في رمضان "
تربية الأطفال وإكسابهم المهارات، أمراً ليس بالسهل على المربين، وإنما يحتاج إلى إمكانيات واستعدادات واستغلال للفرص والمواقف التي تُسهل عملية التربية، وكما يحتاج الطفل إلى التربية في الجانب التربوي والتعليمي وإكسابه العادات الصحية الجيدة فهو أيضاً بحاجة في المقام الأول للتربية الإيمانية التي تنشئه فرداً مستقيماً سوياً.
ولا يخفى علينا سعي المربين والمختصين بالتربية في ابتكار الأساليب التربوية الخاصة بتربية الأطفال مع مراعاة خصائصهم العمرية، ولكننا حين نتأمل تعاليم ديننا الإسلامية وعنايته بالطفل ونشأته وذلك من خلال استغلال المرحلة العمرية المناسبة التي يكون فيها الطفل مستعداً للتعلم وتقبل التوجيهات: {مُرُوا أولادَكم بالصلاةِ و هم أبناءُ سبعِ سِنِينَ ، واضرِبوهم عليها وهم أبناءُ عشرِ سِنِينَ ، وفَرِّقُوا بينهم في المضاجعِ }، ومن مبدأ استغلال المرحلة العمرية للطفل لغرس المفاهيم الإيمانية، وتعليم الطفل الفروض والواجبات، نحتاج أن نستغل المواقف المختلفة في حياة الطفل ومواسم الطاعات لنُربي أبنائنا تربيةً ايمانية تربوية بطرق علمية صحيحة ..
ومن هذه المواسم التي تتجلى فيها معاني الايمان وتكون النفوس فيه مقبلة على حُب الخير والعطاء هو شهر رمضان المبارك والذي نعتبره نحن المربين فرصة عظيمة للربط بين سعادة الأطفال بالشهر الفضيل والمعاني الايمانية .
فشهر رمضان يعتبر مدرسة من المدارس التربوية العظيمة لتعويد الطفل على الصيام ويكون ذلك بالتدرج مع الطفل بحيث نبدأ مراحل التدرج بحسب عمره واستطاعته وقدرته الجسدية وتهيئة الطفل لهذه المرحلة بتعليمه والاتفاق معه مثلاً " نقول ستصوم غداً معنا بإذن الله تعالى ثلاث ساعات ونأخذ وجبة ومن ثم تصوم وهكذا كل فترة نزيد في عدد الساعات حتى يصوم يوماً كاملاً، والتهيئة والتدرج مهمة هنا تكون بحسب إمكانيات الطفل، لا نجبره على الصيام ولا نقارنه بمن حوله لأن ذلك سيعطي نتائج عكسية.
وكلنا يعرف أن هناك معلومات ومعاني عظيمة وفضيلة لهذا الشهر لابد أن نوصلها للأبناء وربما تكثر فيه أسئلة الأطفال، حينها علينا أن نجيب على أسئلتهم بدقة ونحتويها بكل سعة صدر، ومن هذه المعلومات: هل أبواب الجنة تفتح ..؟ ولماذا تفتح في رمضان وهل في غير رمضان تكون مغلقة؟ ما ميزة رمضان عن باقي الأشهر..؟
كذلك من المعلومات التي نُناقشها معهم أن القرآن نزل في رمضان وهذه ميزة للشهر وأن الذي نزل بالقرآن هو خير الملائكة جبريل عليه السلام، نحكي لهم القصة كي نربطهم بالمعنى الإيماني العظيم الذي يطمئن النفس بأن نزول القرآن والكتب السماوية وإرسال النبي محمد صلى الله علينا وفرض الصلاة والصيام هي رحمة بنا ولأن الله تعالى يُحبنا أن نتقرب اليه بهذه العبادات التي فرضها علينا.
ومنها أن شهر رمضان يعودنا على الانضباط، فالمسلمون كلهم تقريباً يمسكون ويفطرون في نفس التوقيت وأننا نؤدي صلاة التراويح جماعة في وقت واحد وكذلك تقسيم ختمة القرآن إلى جزء يومياً بحيث يختم في ثلاثين يوماً فهنا قربنا له معنى الانضباط وأهمية التخطيط للعبادات.
المربي يستشعر اللحظات التي يكون الطفل فيها مستوعباً لتقبل المعاني الايمانية فيعطيه جرعات، مثلاً بعد الإفطار يردد على مسمع الطفل أنا فرحان لأن الله وفقني لصيام هذا اليوم وفرحان لأن لي دعوة لا ترد عندما أفطرت ..
ومن الصور الإيمانية الجميلة التي نربي الأطفال عليها هي أن نجعلهم يشاركوننا في إعداد الطعام وترتيب المائدة وشرح معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
{ من فطَّر صائمًا كان له مثلُ أجره، غير أنه لا ينقصُ من أجر الصائمِ شيئًا } .
ومن المعاني التي نربي الأطفال عليها أن رمضان فرصة لتقوية العلاقة بين الطفل ورب العالمين من خلال التفكير بالفقراء والمساعدة واستشعار العطش والجوع لغيرنا ممن يعانون من الزلازل والحروب والفقر لذلك أوجب الله علينا الزكاة، هنا المربي يفضل أن يقدم الزكاة علنياً أمام الأطفال ويجعلهم يشاركون في تنظيمها وتوزيعها على المستحقين لها.
شهر رمضان فرصة عظيمة نستطيع من خلالها تعويد أبنائنا على الفرائض والعبادات عامة والصيام خاصة، والتحلي بحسن الخلق واحترام الوقت والالتزام بالنظام، فشهر رمضان مدرسة تربوية زاخرة بالدروس التي تصيغ شخصية الأطفال صياغة راقية وترتقي نفوسهم بنفحاته المباركة وأجوائه الإيمانية الجماعية، فهو مدرسة التربية الإيمانية لبناء علاقة أطفالنا بالله تعالى، ولتعزيز هذه المعاني وترسيخها في نفوسهم علينا أن نهتم بتحفيزهم وتشجيعهم ومدحهم ليس فقط في آخر الشهر وإنما في كل موقف استجابوا فيه وقدموا عملاً تعبدياً لله ، وليس شرطاً أن تكون المكافأة مادية فقد تكون شيئاً يُحبه الطفل أو زيارة لصديق أو كتاباً يختاره.
في تربيتنا لأطفالنا تربيةً ايمانيةً في رمضان ليس معناه أن نُنشئ لهم جدولاً خاصاً وبرنامجاً يتم إعداده فهذه الخطوات جميلة، ولكن من المهم أن نُصور للمربي أن التربية الإيمانية للطفل بسيط جداً لأنك ستعلم الطفل هذه المعاني حينما تكون أنت القدوة الصالحة أمامه قولاً وفعلاً، حينما يندمج الطفل في الجو العائلي الرمضاني الإيماني وذلك حينما تقص قصة عن الصحابة كيف كانوا يلهون أطفالهم بالقطن عند جوعهم أثناء صيامهم، حينما يمسك الأب يد طفله ليصحبه الى الصلاة ويعلمه آداب المسجد وفضل الصلاة والوضوء، حينما يلتف الوالدان في حلقة في زاوية بالبيت لشرح آية بعد قراءتهم للقرآن، حينما يلتقي الطفل بجده أو جدته ويسلم عليهم ويروي لهم حكاية صيامه وه يشجعونه وأنت تمدحه كتشجيع له أمام من يحبهم، حينما تذهب كأخ لزيارة أخوتك وأخواتك وأقربائك وبصحبتك أطفالك وتبين لهم فضل صلة الرحم، حينما تتجلى معاني الفرح والسرور في العيد، فالجميع يتزين بأجمل الثياب الجديدة فرحاً بتمام صيامهم وقيامهم ويقدمون الهدايا للجميع ...
من هذه الأجواء تنطلق التربية الإيمانية للطفل والذي سيحمل تلك المعاني في قلبه ويُصورها في عقله، ويعيشها كمبادئ وقيم في حياته.